الجامع الأحمر: عبق التاريخ المملوكي ومركز تجاره العطور في مصر
النشأة والتأسيس
يقف الجامع الأحمر شامخاً في قلب منطقة الدرب الأحمر بالعتبة، كشاهد حي على عظمة العمارة المملوكية. شيده الأمير جمال الدين آق سنقر آل ملك في عام 886 هجرية (1481 ميلادي) إبان حكم السلطان الأشرف قايتباي. كان الأمير آل ملك من أبرز أمراء المماليك وأكثرهم اهتماماً بالعمارة والبناء، حيث خلف وراءه العديد من المنشآت المعمارية في القاهرة. اشتهر المسجد باسم “الجامع الأحمر” نسبة إلى لون الطوب المستخدم في بنائه، بينما يحمل اسمه الرسمي “جامع آل ملك” تخليداً لذكرى بانيه.
العمارة والفن المملوكي
يتجلى في الجامع روعة العمارة المملوكية بكل تفاصيلها، من المئذنة الرشيقة التي تعانق السماء، إلى القباب المهيبة التي تتوج المبنى. تزين جدرانه نقوش وزخارف إسلامية دقيقة تعكس براعة الفن المملوكي. يمتاز المسجد باستخدام الطوب الأحمر في بنائه، مما أضفى عليه طابعاً فريداً ومميزاً بين مساجد القاهرة التاريخية.
المركز التجاري والاقتصادي
تحول محيط الجامع الأحمر على مر السنين إلى مركز تجاري متخصص في تجارة العطور ومستلزماتها. أصبحت المنطقة قبلة لتجار العطور، حيث تنتشر المحال المتخصصة في بيع العطور بمختلف أنواعها، وزجاجات التعبئة، ومستلزمات صناعة العطور والمنتجات التجميلية. يخدم هذا السوق شريحة واسعة من التجار، بدءاً من أصحاب المشاريع الصغيرة وصولاً إلى المستوردين والمصدرين في مجال العطور.
الدور الديني والمجتمعي
يواصل الجامع دوره الأساسي كمركز ديني وثقافي نشط في المنطقة. تقام فيه الصلوات الخمس والجمعة بانتظام، كما يستضيف دروساً ومحاضرات دينية متنوعة. أصبح المسجد نقطة التقاء مهمة لسكان المنطقة، يجمع بين العبادة والتعليم والتواصل الاجتماعي.
الأهمية التراثية والسياحية
يعد الجامع الأحمر جزءاً لا يتجزأ من النسيج التراثي للقاهرة التاريخية، حيث يمثل واحداً من 65 أثراً إسلامياً في منطقة الدرب الأحمر. يشكل المسجد محطة مهمة في مسار السياحة التراثية، يقصده الزوار للاستمتاع بجمال عمارته وعراقة تاريخه.
التكامل بين الماضي والحاضر
يقدم الجامع الأحمر نموذجاً فريداً للتعايش بين الأصالة والمعاصرة، حيث يجمع بين قيمته التراثية ودوره التجاري النشط. تتناغم الحركة التجارية المزدهرة في محيطه مع طابعه التاريخي والديني، مما يجعله مثالاً حياً على قدرة المعالم التاريخية على التكيف مع متطلبات العصر الحديث.
خاتمة
يبقى الجامع الأحمر شاهداً على عظمة التاريخ المصري وحيوية حاضره. فهو ليس مجرد مسجد تاريخي أو مركز تجاري، بل هو مزيج فريد يجمع بين عبق التاريخ ونبض الحياة المعاصرة. يستمر في أداء دوره الديني والثقافي، محافظاً على هويته التراثية، بينما يزدهر حوله نشاط تجاري يضيف بعداً جديداً لقيمته في نسيج المدينة..